21/05/2020
يؤثر بمثابة كوفيد-19 على جميع الأنشطة في أنحاء العالم. وفي قطاع البناء، يصبح الإجراء الفوري هو اعتبار هذا الوباء بمثابة حالة قوة قاهرة، كما يقول ستيوارت جوردان* الذي يؤكد أن صناعة البناء ستتمكن من مواجهة النزاعات المتوقعة بشكل أفضل إذا ما تم إدارة الإجراءات على مستوى المشروع بأكمله.
إنها حالة استثنائية فريدة من نوعها. فوباء كوفيد-19 يؤثر على جميع الأنشطة التجارية. ولكن كالمعتاد يمكن لصناعة البناء أن تزعم تأثرها بشكل متفرد، وذلك بسبب الطبيعة المعقدة للعقود التي تدعم أي مشروع بناء تجاري.
إن الإجراء الفوري تجاه هذا الوباء هو اعتباره حالة للقوة القاهرة. وهذا صحيح في أي عقد من خلال الجمع بين البنود التعاقدية و/أو أحكام القانون العام.
السؤال الحقيقي هو: ماذا بعد؟ ما هو تأثير القوة القاهرة على 40 عقد للبناء مثلا، وعقود المقاولة من الباطن، وعقود التوريد، والهندسة، والإدارة والتكنولوجيا في أي مشروع عادي؟ ماذا سيكون تأثيرها على الوضع المسبق في إدارة كل عقد مثل التأخير، والمخالفة، والمطالبات الجارية؟ هل نستطيع إدارة ذلك على مستوى المشروع بأكمله؟
الاختلافات بين العقود
من المحتمل بشكل كبير أن كل هذه العقود الخاصة بمشروع معين تتضمن بنودًا تتعلق بأحكام حالة القوة القاهرة، ومعظم هذه البنود تشترك في نفس المبادئ الأساسية التي تشير إلى إعفاء الطرف من إلتزاماته عند وقوع القوة القاهرة، في الحالات التي يكون من المستحيل مواصلة العمل بسبب ظروف غير متوقعة وخارج سيطرة الطرف.
وبالتالي، فإن جميع الأطراف سوف تواجه وضع يعتمد على بعضه البعض، أي أن انتشار الفيروس سوف يعزز تفعيل بنود القوة القاهرة في جميع هذه العقود مرة واحدة، حيث ستتوقف جميع الأنشطة وسيتعين على الجميع إعادة تعبئة أعمالهم في تاريخ لاحق.
في واقع الأمر، هناك بعض الاختلافات الهامة في هذه الحالة:
? إن حالة القوة القاهرة يمكن أن تكون على أساس قائمة حصرية، أو قائمة غير حصرية، أو على أساس مبادئ عامة، مع قائمة ببعض الحالات المستثناة.
? لتقديم مطالبة بالإعفاء من الالتزامات، قد تكون أو لا تكون حالة القوة القاهرة هي العامل المسيطر أو العامل الوحيد المانع لمواصلة العمل.
? إن المتطلبات التعاقدية قد تتضمن تقديم إخطار كتابي مسبق مع إمكانية تحديد الوقت في الإخطار الذي يستبعد أي مطالبة متأخرة.
? وتبعًا لذلك، قد يتم إعفاء الطرف من التزاماته بالكامل أو تقديم تعليق تلقائي لهذه الالتزامات، أو قد تؤدي حالة القوة القاهرة إلى منح عقد المطالبة بتمديد للوقت من خلال آلية التمديد. وقد تتوفر كل هذه الخيارات مع أو بدون الحق في استرداد التكلفة المباشرة أو تكلفة التعطل والتمديد، بالرغم من أن القوة القاهرة عادة ما يتم اعتبارها مسألة وقت فقط.
? قد يتوفر إخطار بالإنهاء لواحد أو كلا الطرفين بعد فترة من استمرار القوة القاهرة أو تراكم فترات أطول من توقف العمل. هذه الفترات تتباين بين العقود.
? إن الالتزام بالحد من تأثير حالة القوة القاهرة قد يتم التعبير عنه كحالة سابقة للإعفاء.
وكمثال عن تنوع البنود في السوق، تتطلب النسخة الثانية من العقود الرئيسية لكتاب فيديك (البند 18، الظروف الاستثنائية) تقديم إخطار كتابي خلال 14 يومًا من تاريخ إدراك الطرف المتضرر أو تاريخ ضرورة إدراكه عن الحدث. وإذا تأخر الإخطار، فإنه يتم منح الإعفاء فقط من وقت تسليم الإخطار المتأخر.
ويتم وصف «الظروف الاستثنائية» من حيث المبادئ العامة (التي قد تغطي كوفيد-19) وقائمة بالأحداث المحددة والتي لا تشمل الأوبئة أو الكوارث.
ويتم إعفاء الطرف المتضرر من مواصلة النشاط، وإذا أدى الحدث إلى تأخر العمل، فإن المقاول قد يطالب بتمديد الوقت، بشرط الامتثال لإجراءات المطالبات المنفصلة. ولكن لا يوجد حقوق تجاه التكلفة ما لم يكون الظرف مذكورًا تحت بند «الظروف الاستثنائية».
التفاعل مع العوامل الأخرى
إذن، كيف ستؤثر حالة القوة القاهرة على حياة المشروع؟ هذه أوضاع ديناميكية، وتتفاعل مع الظروف السابقة والحالية (البعض يمكن تعويضه ويقود إلى مطالبات والبعض لا يمكنه ذلك)، مما يؤدي إلى تأخر وتعطل تقدم العمل.
ومن الأمثلة على هذا التفاعل إذا كان هناك تأخر سابق أو حالي، فهل تكون القوة القاهرة في واقع الأمر هي التي تعطل تنفيذ الإلتزامات والتي لا يمكن تنفيذها في كل الأحوال؟ هذا السؤال كان مصدر للنزاع بين شركة كلاسيك ماريتايم وشركة ليمبانجان ماريتايم أمام محكمة الاستئناف الإنجليزية في العام الماضي. وقد طالبت ليمبانجان الإعفاء من الإلتزامات لتوريد شحنات من لفائف الحديد من جانب كلاسيك (مالك السفينة) بسبب انفجار أحد السدود في منجم في البرازيل والذي أدى إلى وقف إنتاج اللفائف. وقد دافعت كلاسيك بأنه نظرًا لوجود أسباب مستقلة بالكامل (انهيار الطلب على الحديد)، لم تكن ليمبانجان قادرة على توريد الشحنات في كل الأحوال.
وقد رأت المحكمة بأنه يتعين على ليمبانجان إثبات (ولكن لم يمكنها إثبات) بأنها كانت تستطيع استكمال العقد ولكن لم تتمكن بسبب انفجار السد. ونتيجة لذلك، لم تستطع ليمبانجان رفع دعوى القوة القاهرة. ويسري ذلك على عقود البناء التي يجب تحليل أسباب تأخرها. لقد اعتمدت على الأساس ولكن لفحص السبب («هل كان العمل سيتواصل لولا الظرف الذي حدث؟») بالطبع كل هذه القرارات تعتمد على حقائق معينة، وعلى العقد، وعلى القانون الساري.
الاختلافات في القانون
إن جهات الاختصاص القانوني المختلفة تعامل حالات الوباء بطريقة مختلفة.
ويعد القانون الإنجليزي هو الأسهل لتلخيصه. إن القوة القاهرة ليست مفهومًا معروفًا، لذا يجب أن يتم تضمينه في العقد. ولكن يتضمن القانون مفهومًا لحالة الإحباط والتي تحدث عندما تظهر ظروف غير متوقعة بعد صياغة العقد وتجعل من المستحيل مواصلة العمل وتقوم بتغيير الغرض الأساسي من العقد بشكل جذري.
إن الإحباط حالة أقل حدة ومفهوم أضيق من القوة القاهرة، وتسري فقط على الحالات التي تكون فيها إمكانية مواصلة العمل مستحيلة بشكل دائم، على سبيل المثال عندما يصبح النشاط غير قانوني أو عدم سريان الموضوع الأساسي للعقد. وتنهي هذه الحالة العقد تلقائيًا من خلال إعفاء الطرفين من كافة الإلتزامات. وتوجد بنود لاستعادة الاموال التي دفعت أو المزايا التي منحت بدون تعويض وقت الإعفاء.
أما القانون المدني فيعترف بالقوة القاهرة في شكل مبادئ قانونية وإجراءات تؤثر على البنود في العقد أو تؤثر على مدى سريانها. بالطبع تعترف هذه الجهات بحرية العقد وتحرص على الالتزام بالبنود المتفق عليها.
وفيما يتعلق بذلك تبرز العلاقة التفاعلية بين القانون التعاقدي والقانون الساري في المكان الذي يتم فيه العمل، والذي قد يكون مختلفًا. ولتفهم العقد، يتعين التعرف عن مدى تنفيذ القانون الكويتي على سبيل المثال للبنود المكتوبة (على سبيل المثال) لعقد تم صياغته وفق القانون الإنجليزي ويتم تنفيذه في الكويت، وكيف سيتم تطبيق المبادئ القانونية للقانون الكويتي في هذه الحالة.
أمثلة عن البنود
? البند 273 (1) من القانون المدني الإماراتي يشير إلى أنه في حالة وقوع قوة قاهرة تمنع تنفيذ العقد، فإنه سيتم إسقاط الإلتزامات بحيث يُلغى العقد تلقائيًا.
? البند 273 (2) من القانون المدني الإماراتي يتيح الإلغاء الجزئي للعقد عندما يصبح تنفيذ جزء من الالتزامات مستحيلا، بالرغم من أن الطرف المتضرر يمكنه إنهاء العقد بأكمله بموجب إخطار.
? البند 386 من القانون المدني الإماراتي يشير إلى أن طرف العقد لن يكون مسؤولا عن تعويض عدم تنفيذ العمل إذا كان ذلك يرجع إلى عوامل خارجية لا يكون هذا الطرف مسؤولا عنها.
? في المملكة العربية السعودية، فإن المادة 51 من القانون الذي يسري على عقود الأشغال العامة تشير إلى عدم وجود أضرار عن التأخير إذا كان تأخير العمل بسبب ظروف أو أسباب غير متوقعة خارج سيطرة المقاول، بشرط أن تكون مدة التأخير متناسبة مع وقوع هذه الظروف، مع ملاحظة أن ذلك لا يتطلب أن يكون الظرف غير متوقع أو خارج السيطرة.
الخلاصة
إن الوباء يصل إلى المشاريع على كل المستويات من سلسة التوريدات، ولكن للأسباب المذكورة أعلاه، فإن المشاركين في المشروع ليسوا في وضع يستند على بعضه البعض.
في أي مشروع، فإنه من التأكيد أن عدم اتساق النتائج سوف يؤدي إلى وقوع بعض الأطراف في مصيدة، غير قادرين على المطالبة بالإعفاء أو إنهاء العقود، بينما سيتمكن البعض الآخر من المطالبة بتمديد الوقت و/أو إنهاء العمل. وبالنظر إلى أن حقوق الإنهاء قد تستحق (بناء على خبرتي) خلال 60 يومًا من تعليق العمل، فلن يحتاج الأمر إلى كثير من الوقت حتى تبدأ الإخطارات في الظهور.
ولإدارة ذلك بشكل استباقي، يتعين على الأطراف إيجاد طرق بديلة لتحقيق الاتساق في النتائج. قد يتم الاتفاق بشكل جماعي على الحاجة إلى مطالبات سريعة أو إجراءات لحل النزاعات على مستوى المشروع بأكمله لتسريع الأمور، وهذا يشمل:
? مجلس تحكيم يقدم قرارات ملزمة ولكن ليست نهائية.
? مجلس مراجعة، يقدم قرارت غير ملزمة.
? تحديد متخصص للوقت والقضايا الكمية.
? وساطة متعددة الأطراف.
إن صناعتا سوف تتخطى هذه الظروف بشكل أفضل إذا قامت بالتخطيط الدقيق.
* ستيوارت جوردان شريك في مجموعة جلوبال بروجكتس أوف بيكر بوتس، وهي شركة محاماة دولية رائدة. وتركز ممارسات جوردان على قطاعات النفط والغاز والطاقة والنقل والبتروكيماويات والطاقة النووية والبناء. ولديه خبرة واسعة في منطقة الشرق الأوسط وروسيا والمملكة المتحدة.